Mohamed Ashraf’s review published on Letterboxd:
كثيب: وجودية الصحراء، فلسفة الكثبان" ، مبدأيا كده انا فرحان إني حملت الفيلم بأعلي جودة ممكنة وخدت التجربة البصرية والسمعية بأعظم طريقة ممكنة ، بس في نفس الوقت زعلان اني مشوفتش الفيلم ده في السينما ، في فيلم Dune: Part two إحنا مش قدام فيلم عادي ، إحنا قدام ملحمة متكاملة بتعيد صياغة الأفلام التاريخية
العوامل اللي تخلي ده الفيلم ده من أنجح وأعظم السيكوالز اللي اتعملت في تاريخ السينما كتير، بس أهم عامل من وجهة نظري هو رؤية دينيس فيلانوف الأسطورية والمبتكرة، فيلانوف هنا مش مجرد مخرج عادي بينقلنا رواية فرانك هيربرت علي الشاشة.. ده بيخلينا نعيش جوا العالم ده بأعمق تفاصيله، كأننا بنسمع كل ذرة رمل، بنسمع دقات قلب الصحراء، وبنشوف نبضات القدر وهي بتتصارع مع الحرية
دينيس فيلانوف في الفيلم ده أثبت إنه مخرج عنده رؤية عظيمة و قادر إنه يخلق تجربة بصرية بتتجاوز حدود السينما التقليدية، وبتوصل لمرحلة أقرب الي لوحة فنية متحركة بتتجسد قدامك علي الشاشة، تصوير الصحراء واستخدامها في الجزء ده طبعا فاق بمراحل الجزء الاول وكان مبهر جدا الحقيقة هنا، اللقطات الواسعة للصحراء مش مجرد كادرات عظيمة، دي فلسفة في حد ذاتها، بتعبر عن صغر حجم الإنسان أمام قوة الطبيعة وعظمة الكون، كأن الرمال بتتكلم و الرياح بتهمس بحكايات عن أساطير آراكيس، استخدام فيلانوف للفضاء الواسع بيخلق إحساس بالضياع عند الشخصيات و بيخلينا كمشاهدين نغوص في أعماق الخيال
الإضاءة هنا عامل أساسي في تقديم رؤية فيلانوف، الشمس الحارقة علي آراكيس مش مجرد مصدر للضوء، لكنها عنصر بيمثل الصراع والقسوة، بتحس بحرارة الشمس وكأنها بتطارد الشخصيات، في مشاهد الليل الضوء بيمتزج بالظلال، مشاهد الأحلام والرؤي بتتحول للوحات سيريالية، كأنك داخل عقل بول أتريديس نفسه، وفيلانوف بيستخدم الاسلوب ده عشان يوصلنا فكرة ان بول اتريديس عايش بين عالمين،عالم الواقع اللي فيه صراعات سياسية ودموية وعالم الأحلام اللي مليان نبوءات عن المستقبل، فيلانوف بيستخدم الاضاءة الخافتة والظلال الثقيلة عشان يخلق حالة من الغموض والتوتر، كأنك بتشوف الحقيقة متخبية بين الظلال
الكادرات اللي بيستخدمها فيلانوف متوازنة بشكل رهيب، بتحس أنها أشبه بلوحات فنية مستوحاة من أعمال الرسامين العظماء، التكوين بيظهر في كل لقطة في أعظم صورة ممكنة، كل عنصر موجود في مكانه بدقة، سواء كانت الشخصيات، الديكورات، أو حتي حركة الرمال في الخلفية، في مشاهد المعارك، الكاميرا بتتحرك بسلاسة بين الشخصيات، بتنتقل من اللقطات الواسعة اللي بتظهر حجم الصراع ل اللقطات الضيقة اللي بتظهر التفاصيل بتاعت الشخصيات لحد ما بتشوف في عينهم الطموح والخوف، المشاهد اللي بتظهر الدودة العملاقة وهي بتظهر من تحت الرمال دي ذروة الإبداع البصري وقمة الجمال والله، اللقطات دي بتبين حجم الدودة العملاقة وقوتها بشكل مرعب وبتخلق حالة من الرهبة والخوف
القصة هنا بتمثل اكتمال الرحلة اللي بدأناها في الجزء الأول، لكن في الجزء التاني االأحداث بتاخد منعطف ملحمي أكتر، وكأن كل خطوة بياخدها بول أتريديس بتقربنا من الانفجار او الطغيان اللي هيحصل، السيناريو مكتوب بحِرفية شديدة وبتوازن بين الفلسفة والسياسة، بين الحقيقة والخيال، بين الصراع الخارجي والصراع الداخلي، الحوار مش مجرد كلام، كل كلمة ليها وزنها ودورها في مسار الأحداث، بس في نفس الوقت الحوار مش دايما موجود.. مساحات فيلانوف للتأمل والتفكير في الفيلم عظيمة جداً جداً
بالنسبة للتمثيل بقا فكان المفاجأة الكبيرة بالنسبالي هنا هو تيموثي شالاميه، رغم اني لا أفضله في معظم الأوقات لكن هنا أجبرني علي التصفيق والاحترام، أداء تمثيلي عظيم و يُدرس، نظراته لوحدها مليانة صراعات، صراعات بين اللي بيعيشه واللي مكتوبله، وفي رحلة صعود بول أتريديش بنشوف التحولات والمخاطر اللي بيواجهها علي وجه تيموثي، هو حرفياََ عايش جوا الشخصية متحسش أبداً انه بيمثل، في مشهد معين بدون حرق الولد انفجر وأخرج كل قدراته وموهبته التمثيلية.. المشهد ده يمكن عيدته ثلاث مرات وانا بتفرج عشان مكنتش مصدق اللي بشوفه بعيني، ريبيكا فيرغسون في الجزء الاول كانت المفضلة عندي بين كل الأدوار وهنا هيا بتكمل دورها المميز واللي بتثبت فعلاً انها ممثلة عظيمة وتقيلة جدا، زيندايا في دور تشاني بتمثل الجانب البرئ، الصادق والمتحرر من القيود، هي مش بس حبيبة البطل لا دي كمان بتمثل روح الفريمين، دور مركب تقدر تقول ومع ذلك أثبتت نفسها،حبيت أدائها جداً برضو وكان ليها لحظاتها المميزة، خافيير بارديم في دور ستيلجار كان مقنع جداً بطريقة كلامه وأدائه كويس جدا، فلورينس بوو ممثلة قادمة بقوة، باقي الكاست كانت أدائتهم كلها جيدة جدا الصراحة مفيش حد كان وحش والسبب في ده اكيد فيلانوف
التناغم بين الموسيقي التصويرية والإخراج البصري بيخلق تجربة حسّية بتتجاوز السمع والبصر، الموسيقي التصويرية هنا مش مجرد موسيقي وخلاص، هانز زيمر قدم موسيقي بتتماشي مع رؤية فيلانوف، الإيقاعات بتتداخل مع حركة الرمال وبتخلق روح للعالم، قوة روحانية بتخلق حالة من العظمة وبيها بتكتمل ملحمية الفيلم، فيلانوف قدر يستغل الموسيقي عشان يعزز الإحساس بالصحراء ككائن حي، بتحس ان الموسيقي هي صوت آراكيس حرفيا، زيمر بيعمل أصوات كأنها بتيجي من تحت الرمال، من قلب الدودة العملاقة، من أعماق الكون، مش عارف دي المرة الكام اللي اقول اني بعشق الراجل ده وبنبهر كل مرة بالموسيقي التصويرية اللي بتخدم الفيلم
بالتأكيد ده افضل فيلم في السنة وبفارق كبير عن اللي بعده، حرفيا فيلم قمة في الكمال السينمائي، قمة في الإبهار البصري والسمعي، درس لصناع الأفلام،جزء ثاني اكثر جرأة، اكثر دموية، اكثر ملحمية، الرؤية الإخراجية لدينيس فيلانوف في الفيلم بتمثل نقطة تحول في عالم السينما، هو مش بس بيعيد تقديم الخيال العلمي بطريقة جديدة، لكنه بيعيد تعريف معني الملحمية نفسها، فيلانوف خلق عالم قادر يجذبك ويسحبك جواه ويخليك مش قادر تخرج منه حتي بعد ما ينتهي الفيلم، الفيلم ده بالذات بيظهر قوة الإخراج لما يكون عند المخرج رؤية واضحة، رؤية بتوصل لكل مشاهد كأنها رسالة من كوكب تاني، رسالة بتقول: هنا في عالم آراكيس، لا شئ كما يبدو، وكل شئ له صوت، حتي الرمال نفسها.